فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهي إناء يسقي به: {في رحل أخيه} شقيقه، ليحتال بذلك على إبقائه عنده مع علمه بأن البصير لا يقضي بسرقته بذلك، مع احتمال أن يكون الصواع دس في رحله بغير علمه كما فعل ببضاعتهم في المرة الأولى، وأما غير البصير فضرر ثبوت ذلك في ذهنه مفتقر لأنه يسير بالنسبة إلى ما يترتب عليه من النفع من ألف إخوته بيوسف عليه الصلاة والسلام وزوال وحشتهم منه بإقامته عنده- كما سيأتي مع مزيد بيان- هذا مع تحقق البراءة عن قرب، فهو من باب ارتكاب أخف الضررين، ثم أمهلهم حتى انطلقوا، ثم أرسل إليهم فحبسوا: {ثم} أي بعد انطلاقهم وإمعانهم في السير: {أذن} أي أعلم فيهم بالنداء: {مؤذن} قائلًا برفيع صوته وإن كانوا في غاية القرب منه- بما يدل عليه إسقاط الأداة: {أيتها العير} أي أهلها، وأكد لما لهم من الإنكار: {إنكم لسارقون} أي ثابت لكم ذلك لا محالة حقيقة بما فعلتم في حق يوسف عليه الصلاة والسلام، أو مجازًا بأنكم فاعلون فعل السارق- كما سيأتي بيانه آنفًا، مع أن هذا النداء ليس من قول يوسف عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أن لا يكون بأمره حتى يحتاج إلى تصحيحه، بل يكون قائله فهم ذلك من قوله عليه السلام: صواعي مع الركب، أو كأنهم أخذوا صواعي فاذهب فآتني به أو بهم- ونحو ذلك مما هو حق في نفسه؛ والعير: القافلة التي فيها الأحمال، والأصل فيها الحمير، ثم كثر حتى أطلق على كل قافلة تشبيهًا بها، وقد تضمنت الآية البيان عما يوجبه التلطف في بلوغ المراد من إيقاع الأسباب التي تؤدي إليه وتبعث عليه بظاهر جميل وباطن حق مما يخفى على كثير من الناس موقعه، ويشكل عليه وجهه، لأنه أنفذ له وأنجح للمطلوب منه، فكأنه قيل: إن هذه لتهمة عظيمة، فما قالوا في جوابها؟ فقيل: {قالوا} في جواب الذين لحقوهم: {و} الحال أن آل إسرائيل: {أقبلوا} ودل- على أن الذين لحقوهم كانوا جماعة المؤذن أحدهم، كما كما هو شأن ذوي الرئاسة إذا أرسلوا في مهم- بالجمع في قوله: {عليهم} أي على جماعة الملك: المنادي وغيره: {ماذا تفقدون} مما يمكننا أخذه: {قالوا نفقد} وكأن السقاية كان لها اسمان، فعبروا هنا بقولهم: {صواع الملك} والصواع: الجام يشرب فيه: {ولمن جاء به} أي أظهره ورده من غير تفتيش ولا عناء: {حمل بعير} وهو بالكسر: قدر من المتاع مهيأ لأن يحمل على الظهر، وأما الحمل في البطن فبالفتح: {وأنا به زعيم} أي ضامن وكفيل أوديه إليه، وإفراد الضمير تارة وجمعه أخرى دليل على أن القاتل واحد، وأنه نسب إلى الكل لرضاهم به، وفي الآية البيان عما يوجبه حال بهت الإنسان للتثبت في الأمر وترك الإسراع إلى ما لا يجوز من القول، فكأنه قيل: فما قال إخوة يوسف؟ قيل: {قالوا} قول البريء: {تالله} أي الملك اوعظم فأقسموا قسمًا مقرونًا بالتاء، لأنها يكون فيها التعجب غالبًا، قال الرماني: لأنها لما كانت نادرة في أدوات القسم جعلت للنادر من المعاني، والنادر من المعاني يتعجب منه، وقال: إنها بدل من الواو، والواو بدل من الباء، فهي بدل من بدل، فلذلك ضعفت عن التصريف في سائر الأسماء، ثم أكدوا براءتهم بقولهم: {لقد علمتم} أي بما جربتم من أمانتنا قبل هذا في كرتي مجيئنا: {ما جئنا} وأكدوا النفي باللام فقالوا: {لنفسد} أي نوقع الفساد: {في الأرض و} لقد علمتم: {ما كنا} أي بوجه من الوجوه: {سارقين} أي موصوفين بهذا الوصف قط، بما رأيتم من أحوالنا: من ردنا بضاعتنا التي وجدناها في رحالنا وغير ذلك مما عاينتم من شرف فعالنا مع علمنا بأنها خَلق لنا لا تصنّع يظهر لبعض الأذكياء بأدنى تأمل، فكأنه قيل: فما قال الذين من جهة العزيز؟ قيل: {قالوا} قول واثق بأنه في رحالهم: {فما جزاؤه} أي الصواع: {إن كنتم كاذبين} في تبرئكم من السرقة؛ والجزاء: مقابلة العمل بما يستحق عليه من خير أو شر: {قالوا} وثوقًا منهم بالبراءة وإخبارًا بالحكم عندهم: {جزاؤه} أي الصواع: {من}.
ولما كان العبرة بنفس الوجدان، بنوا للمفعول قولهم: {وجد في رحله} ولتحققهم البراءة علقوا الحكم على مجرد الوجدان لا السرقة؛ ثم أكدوا ذلك بقولهم: {فهو جزاءه} أي ليس غير، فكأنه قيل: هل هذا أمر أحدثتموه الآن أو هو مشروع لكم؟ فقالوا: {كذلك} أي بل هو سنة لنا، مثل ذلك الجزاء الشديد: {نجزي الظالمين} أي بالظلم دائمًا، نرقّه في سرقته؛ فحينئذ فتش أوعيتهم. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أني أنا أخوك} بفتح الياء: أبو عمرو وأبو جعفر ونافع. {نرفع درجات من نشاء} بالإضافة وبياء الغيبة في الفعلين: سهل ويعقوب. بالنون وبالتنوين: عاصم وحمزة وعلي وخلف. الباقون: بالنون وعلى الإضافة. {فلما استيأسوا} وبابه بالألف ثم الياء: أبو ربيعة عن البزي وحمزة في الوقف وإن شاء لين الهمزة الباقون: بياء ثم همزة على الأصل: {لي أبي} بفتح الياء فيهما: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو وافق ابن كثير في أبي.

.الوقوف:

{يعملون} o {لسارقون} o {تفقدون} o {زعيم} o {سارقين} o {كاذبين} o {فهو جزاؤه} ط {الظالمين} o {من وعاء أخيه} ط {ليوسف} ط {يشاء الله} ط لأن ما بعده مستأنف: {نشاء} ط {عليم} o {من قبل} ط {مكانًا} ج: {تصفون} o {مكانه} ج الثلاثة لانقطاع النظم مع اتصال المعنى: {المحسنين} o عنده لا لتعلق إذا بما قبلها: {لظالمون} o {نجيا} ط {يوسف} ط للابتداء بالنفي مع فاء التعقيب: {يحكم الله لي} ج لاحتمال ما بعده الابتداء أو الحال: {الحاكمين} o {سرق} ج لانقطاع النظم مع اتحاد القائل: {حافظين} o {أقبلنا فيها} ط لاختلاف الجملتين والابتداء بأنّ: {لصادقون} o {أمرًا} ط {جميل} ط {جميعًا} ط {الحكيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
اعلم أنهم لما أتوه بأخيه بنيامين أكرمهم وأضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيًا لأجلسني معه فقال يوسف بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدة ثم أمر أن ينزل منهم كل اثنين بيتًا وقال: هذا لا ثاني له فاتركوه معي فآواه إليه، ولما رأى يوسف تأسفه على أخ له هلك قال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال: من يجد أخًا مثلك ولكنك لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه وعانقه وقال: إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {اوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} أي أنزله في الموضع الذي كان يأوي إليه.
وقوله: {إِنّى أَنَاْ أَخُوكَ} فيه قولان: قال وهب: لم يرد أنه أخوه من النسب، ولكن أراد به إني أقوم لك مقام أخيك في الإيناس لئلا تستوحش بالتفرد.
والصحيح ما عليه سائر المفسرين من أنه أراد تعريف النسب، لأن ذلك أقوى في إزالة الوحشة وحصول الأنس، ولأن الأصل في الكلام الحقيقة، فلا وجه لصرفه عنها إلى المجاز من غير ضرورة.
وأما قوله: {فَلاَ تَبْتَئِسْ} فقال أهل اللغة: تبتئس تفتعل من البؤس وهو الضرر والشدة والابتئاس اجتلاب الحزن والبؤس.
وقوله: {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فيه وجوه: الأول: المراد بما كانوا يعملون من إقامتهم على حسدنا والحرص على انصراف وجه أبينا عنا، الثاني: أن يوسف عليه السلام ما بقي في قلبه شيء من العداوة وصار صافيًا مع إخوته، فأراد أن يجعل قلب أخيه صافيًا معه أيضًا، فقال: {فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي لا تلتفت إلى ما صنعوه فيما تقدم، ولا تلتفت إلى أعمالهم المنكرة التي أقدموا عليها.
الثالث: أنهم إنما فعلوا بيوسف ما فعلوه، لأنهم حسدوه على إقبال الأب عليه وتخصيصه بمزيد الإكرام، فخاف بنيامين أن يحسدوه بسبب أن الملك خصه بمزيد الإكرام، فأمنه منه وقال: لا تلتفت إلى ذلك فإن الله قد جمع بيني وبينك.
الرابع: روى الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إخوة يوسف عليه السلام كانوا يعيرون يوسف وأخاه بسبب أن جدهما أبا أمهما كان يعبد الأصنام، وأن أم يوسف امرأت يوسف فسرق جونة كانت لأبيها فيها أصنام رجاء أن يترك عبادتها إذا فقدها.
فقال له: {فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي من التعيير لنا بما كان عليه جدنا.
والله أعلم.
ثم قال تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السقاية في رَحْلِ أَخِيهِ} وقد مضى الكلام في الجهاز والرحل، أما السقاية فقال صاحب الكشاف: مشربة يسقي بها وهو الصواع قيل: كان يسقي بها الملك ثم جعلت صاعًا يكال به، وهو بعيد لأن الإناء الذي يشرب الملك الكبير منه لا يصلح أن يجعل صاعًا، وقيل: كانت الدواب تسقى بها ويكال بها أيضًا وهذا أقرب، ثم قال وقيل كانت من فضة مموهة بالذهب، وقيل: كانت من ذهب، وقيل: كانت مرصعة بالجواهر وهذا أيضًا بعيد لأن الآنية التي يسقى الدواب فيها لا تكون كذلك، والأولى أن يقال: كان ذلك الإناء شيئًا له قيمة، أما إلى هذا الحد الذي ذكروه فلا.
ثم قال تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} يقال: أذنه أي أعلمه وفي الفرق بين أذن وبين أذن وجهان: قال ابن الأنباري: أذن معناه أعلم إعلامًا بعد إعلام لأن فعل يوجب تكرير الفعل قال ويجوز أن يكون إعلامًا واحدًا من قبيل أن العرب تجعل فعل بمعنى أفعل في كثير من المواضع، وقال سيبويه: أذنت وأذنت معناه أعلمت لا فرق بينهما، والتأذين معناه: النداء والتصويت بالإعلام.
وأما قوله تعالى: {أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قال أبو الهيثم: كل ما سير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير وقول من قال العير الإبل خاصة باطل، وقيل: العير الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تذهب وتجيء، وقيل: هي قافلة الحمير، ثم كثر ذلك حتى قيل لكل قافلة عير كأنها جمع عير وجمعها فعل كسقف وسقف.
إذا عرفت هذا فنقول: {أَيَّتُهَا العير} المراد أصحاب العير كقوله: «يا خيل الله اركبي» وقرأ ابن مسعود: {وَجَعَلَ السقاية} على حذف جواب لما كأنه قيل فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية في رحل أخيه أمهلهم حتى انطلقوا: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}.
فإن قيل: هل كان ذلك النداء بأمر يوسف أو ما كان بأمره؟ فإن كان بأمره فكيف يليق بالرسول الحق من عند الله أن يتهم أقوامًا وينسبهم إلى السرقة كذبًا وبهتانًا، وإن كان الثاني وهو أنه ما كان ذلك بأمره فهلا أنكره وهلا أظهر براءتهم عن تلك التهمة.
قلنا: العلماء ذكروا في الجواب عنه وجوهًا: الأول: أنه عليه السلام لما أظهر لأخيه أنه يوسف قال له: إني أريد أن أحبسك ههنا، ولا سبيل إليه إلا بهذه الحيلة فإن رضيت بها فالأمر لك فرضي بأن يقال في حقه ذلك، وعلى هذا التقدير لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام فخرج عن كونه ذنبًا.
والثاني: أن المراد إنكم لسارقون يوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام والمعاريض لا تكون إلا كذلك.
والثالث: أن ذلك المؤذن ربما ذكر ذلك النداء على سبيل الاستفهام، وعلى هذا التقدير يخرج عن أن يكون كذبًا.
الرابع: ليس في القرآن أنهم نادوا بذلك النداء عن أمر يوسف عليه السلام والأقرب إلى ظاهر الحال أنهم فعلوا ذلك من أنفسهم لأنهم لما طلبوا السقاية وما وجدوها وما كان هناك أحد إلا هم غلب على ظنونهم أنهم هم الذين أخذوها ثم إن إخوة يوسف: {قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {تَفْقِدُونَ} من أفقدته إذا وجدته فقيدًا قالوا تفقد صواع الملك.
قال صاحب الكشاف: قرئ {صواع} و{صاع} و{صوع} و{صوع} بفتح الصاد وضمها، والعين معجمة وغير معجمة.
قال بعضهم جمع صواع صيعان، كغراب وغربان، وجمع صاع أصواع، كباب وأبواب.
وقال آخرون: لا فرق بين الصاع والصواع، والدليل عليه قراءة أبي هريرة: {قَالُواْ نَفْقِدُ صاعَ الملك} وقال بعضهم: الصواع اسم، والسقاية وصف، كقولهم: كوز وسقاء، فالكوز اسم والسقاء وصف.
ثم قال: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} أي من الطعام: {أَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} قال مجاهد: الزعيم هو المؤذن الذي أذن.
وتفسير زعيم كفيل.
قال الكلبي: الزعيم الكفيل بلسان أهل اليمن.
وروى أبو عبيدة عن الكسائي: زعمت به تزعم زعمًا وزعامة.
أي كفلت به، وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم، وقد حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «الزعيم غارم» فإن قيل: هذه كفالة بشيء مجهول؟
قلنا: حمل بعير من الطعام كان معلومًا عندهم، فصحت الكفالة به إلا أن هذه الكفالة مال لرد سرقة، وهو كفالة بما لم يجب لأنه لا يحل للسارق أن يأخذ شيئًا على رد السرقة، ولعل مثل هذه الكفالة كانت تصح عندهم.
{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} قال البصريون: الواو في: {والله} بدل من التاء والتاء بدل من الواو فضعفت عن التصرف في سائر الأسماء وجعلت فيما هو أحق بالقسم وهو اسم الله عز وجل.
قال المفسرون: حلفوا على أمرين: أحدهما: على أنهم ما جاؤا لأجل الفساد في الأرض لأنه ظهر من أحواله امتناعهم من التصرف في أموال الناس بالكلية لا بالأكل ولا بإرسال الدواب في مزارع الناس، حتى روي أنهم كانوا قد سدوا أفواه دوابهم لئلا تعبث في زرع، وكانوا مواظبين على أنواع الطاعات، ومن كانت هذه صفته فالفساد في الأرض لا يليق به.
والثاني: أنهم ما كانوا سارقين، وقد حصل لهم فيه شاهدًا قاطع، وهو أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى مصر ولم يستحلوا أخذها، والسارق لا يفعل ذلك ألبتة ثم لما بينوا براءتهم عن تلك التهمة قال أصحاب يوسف عليه السلام: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كاذبين} فأجابوا و: {قَالُواْ جَزؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} قال ابن عباس كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته وكان استعباد السارق في شرعهم يجري مجرى وجوب القطع في شرعنا، والمعنى جزاء هذا الجرم من وجد المسروق في رحله، أي ذلك الشخص هو جزاء ذلك الجرم، والمعنى: أن استعباده هو جزاء ذلك الجرم، قال الزجاج: وفيه وجهان: أحدهما: أن يقال جزاؤه مبتدأ ومن وجد في رحله خبره.
والمعنى: جزاء السرقة هو الإنسان الذي وجد في رحله السرقة، ويكون قوله: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} زيادة في البيان كما تقول جزاء السارق القطع فهو جزاؤه.
الثاني: أن يقال: {جَزَاؤُهُ} مبتدأ وقوله: {مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} جملة وهي في موضع خبر المبتدأ.
والتقدير: كأنه قيل جزاؤه من وجد في رحله فهو هو، إلا أنه أقام المضمر للتأكيد والمبالغة في البيان وأنشد النحويون:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** نغص الموت الغني والفقيرا

وأما قوله: {كذلك نَجْزِى الظالمين} أي مثل هذا الجزاء جزاء الظالمين يريد إذا سرق استرق ثم قيل: هذا من بقية كلام أخوة يوسف.
وقيل: إنهم لما قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه، فقال أصحاب يوسف: {كذلك نَجْزِى الظالمين}. اهـ.